الأصاله والتراث في الاهواز

بقلم وسام الصرخی

في الوقت الذي يبدو فيه أغلب شبابنا العربي في معظم أنحاء المحافظه يميل لأصالته وهويته ويأخذ شخصيات ذو طابع "قبلي" كما تراها عيون النخبة المثقفة من المجتمع، تبرز سهام هذه النخبة مهاجمة وبقساوة هذه التوجهات الشبابيه "الحديثة العهد والمنسية منذ فتره" بحجة القبلية والتخلف والتعصب القبلي مشبهين ما يحدث بجاهلية الناس في شبه الجزيره العربيه قبل الإسلام وناسية في الوقت نفسه ذلك الفضل الكبير الذي تركته القبيله وشيوخها على مختلف مفاصل الحياة في الاهوازبالأخص طيلة ما يقارب القرن من الزمن.

فهذا الإندفاع الشبابي نحو الأصاله والتراث بمختلف أنواعه الظاهرية والمعنوية، وما يقابله من إنتقادات من قبل مثقفينا من أدباء وباحثين وناشطين إجتماعيين سيشكل بالتأكيد إزدواجية خطيرة في نفس الفرد ويحدث فجوة كبيرة بين المثقف الناقد والمواطن ذو الميول الإصوليه ستؤدي إلى مسارات مجهولة يصعب علينا مواجهتها وتفاديها مستقبلا ". .

الإقبال الكبير لدى الشباب في معظم مناطق الأهواز على الأزياء والفلكلور العربي الخاص بهم، إهتمامهم الكبير للأنساب وممارسة طقوسهم بشكلها التراثي المعهود، ميولهم المتزايده نحو الشعر الشعبي والأهازيج و "الهوسات" من الطبيعي جدا "ملاحضة هذا الأمر من خلال ما تحمله أجهزة الشباب النقاله ومتابعتهم للبرامج التلفزيونيه الخاصه بهذا الشأن في الفضائيات كل هذا وأكثر يحدث في وقت بدأ فيه باحثينا ومثقفينا حملة عشوائية كبيرة على ما يسمى التعصب القبلي والقبليه في مختلف نشاطاتهم الإجتماعية والأدبيه؛ أقول عشوائية لأنه وبكل بساطة ستأكل نار سهامنا "الأخضرواليابس" مما تبقى لدينا من تراث وأصاله .

فعندما يسيرالناس في واد و تسير النخبة المثقفه في واد أخر، يجب أن نرن جرس الخطر محذرين وبشدة مما يهدف إليه الأخوه من إصلاح وهمي سيأتي قطعا "بنتائج عكسية غير متوقعه.

وحتى لا نظلم الإخوه "نقاد القبليه والتعصب القبلي" من مفکرین وباحثين فی الاهواز، أقول ربما عاش أو شهد أغلب هولاء اجواء تعصب عمياء وطقوس قبلیه قاسیه، بدت أحيانا "غیر منطقیه وبعیدة کل البعد عن المفاهیم الحقيقيه للدين، اوحتی ضد ما یسمی حقوق الانسان او حقوق المرأه في مجمتع يسير نحو المدنيه بخطوات ثابته.

لکن، التعمیم والتركيز بهذا الشكل خطأ فادح یجب الإنتباه اليه وتداركه لأن ما يكتب عن التعصب القبلي والعادات السلبیة الحاضره في البيئه العشائريه فی بعض مناطق الاهواز غیر موجود و بعید عن الواقع في عشائر أخری ومناطق اخری فی الاهواز هذا إن لم ينعدم أصلا "؛ ولن أكون مبالغا "إذا ما قلت زمن ولى مع إنقراض الدايناصورات.

فأين الشيخ واين مكانته السابقه؟ واين تلك التحالفات المعهوده بين الشيوخ والقبائل؟ واين تلك الرموز التي كان يتفاخر بها إبن العشيره كالبيرق والنخوة وغيرها من الرموز؟ واين ذلك الثأر الذي كان يبقى عالقا "لسنوات عديده يأبى النسيان؟ وأين تغصب المرأه على الزواج وتحرم من حقوقها اليوم في الاهواز؟ وأين ذلك الإستبداد الذي كان يمارسه كبار العشيرهوالذي يمنع الأخرين من حرية التعبير وإبداء رأيهم؟

لا أدعي ولا أجزم بأنكل ما ذ كر لم يعد حاضرا "وملموسا" في واقعنا وبيئتنا في الاهواز. لكن أن نلقي اللوم على مثل هذه الأمور مبررين ما يمر بنا من تخلف وإنحطاط فهذا برأيي ما يجب علينا أن نتجاوزه وأن نعي بأن لا ذنب للقبيله في ما يحدث.

بالعكس، للقبيله والنظام العشائري الذي كان وما زال الوجه الحقيقي والأبرز الذي يعرف به المجتمع والفرد الاهوازي فضل كبير علينا كعرب في هذه المنطقه من العالم.

* فالقبیله برأيي حافظت على اللغة العربية "لغة الإسلام ولسان الوحي" ولو بالشكل الحاضر والمتمثلة بلهجتنا الخوزستانية أو الاهوازية كما تسمى في دول الجوار، ولو لا القبيلة وتأريخها الحافل بالحكايات والذكريات والأمثال المدونة شفهيا "أو كتابيا" باللغة العربية ولهجتها الخاصة في عرب الأهواز لأضاع الناس أهم ما يمتلكون. يضاف إلى ذلك ما تبقى من أشعار ونثر من ماضينا الذي "حلوا" كان أم مرا "" إلا أنه كان مؤثرا "للغاية في صيانة هذه اللغة بشكلها الحاضر وإن تلونت بعبارات أو كلمات دخيلة من اللهجات المحلية المجاورة. هذه اللغة والتي كما يعرف عنها ب "سلاح الأمم للبقاء" لعبت بدورها عاملا "أساسيا" في حفظ هوية الناس و تراثهم وكانت الرائد الحقيقي في عملية ما يسمى "بتبادل الثقافات" الجارية وبقوة في المجتمع الإيراني عموما "حيث حافظت على ما تستطيع من قيم ومبادئ وعادات يتمايز فيها الشخص العربي في المجتمع.

* ومن الرموز المهمة الأخرى التي حافظت عليها القبيلة طيلة الفترة الماضيه التراث الأهوازي العريق بمختلف أشكاله الفلكلورية والدكورية والملابس.

* وربما يتفق معي الكثير في أن القبيله كانت ومازالت الممثل الأوحد والأبرز للعرب في المجمتع الايراني عموما ". فلم يكن لدينا أية أحزاب أو منظمات مدنيه مشهوره إلا القليل مثلتنا أو دافعت عن حقوقنا كأقلية رئيسية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

* كما يجدر بنا ذكر ما حققه وما زال يحققه النظام العشائري ورجاله من أعمال إنسانية قيمة لطالما خدمت الناس وحلت مشاكلهم، فكثيرة هي المشاكل والنزاعات التي بقت عالقة في المحاكم والدوائر الحكوميه ولكن بفضل الشيوخ وعلاقاتهم ودرايتهم الحكيمه إنتهت بسلام ورضا من جميع أطراف النزاع. أيظا "لا ننسى تلك التحالفات القديمه بين العشائر وشيوخها وتواصلهم الطيب مع بعضهم والذي كان مؤثرا" للغاية وإلى الأن في حقن دماء الناس وعيشهم بأمان بعد أن كاد عنفوان التعصب لبعض الشباب المتغطرس يتسبب في كوارث غير طبيعية.

إذا "كفانا تهميشا" للقبيلة وأدابها وكفانا تركيزا "على نقاطها السود إن صح التعبير، لأن ما نشاهده من ظواهر وأزمات يعاني منها الناس في مجتمعنا في الاهواز يعود برأيي لعدم وجود أسس مرجعية أخلاقية واضحة ينتهجها الناس ليعيشوا في سعادة وسلام.

فلم نطبق النظام القبلي الصحيح أبدا "فأضعنا وللأسف الشديد قيم ومبادئ رفيعه لوكانت حاضرة لما عرفنا واقعنا المرير هذا. ولم نعرف من الدين الإسلامي إلا ظاهرة فخسرنا أخلاق الإسلام النبيله وسخر هذا الدين العظيم ليخدم مصالح شخصيه وأهداف طائفية. كذلك، لم نجني من المدنيه والحداثه شئ يستحق الذكر سوى النفاق والأنانيه والغش "أجلكم الله".

هذا التعمیم والترکیز علی الامور السلبیه فی القبیله من قبل الباحث المثقف برأيي لا يصلح في الوقت الراهن بل وسيضاعف من أزمات المواطن الاهوازي كما سيحدث بداخله نزاعات وصراعات نفسيه خطيره "هو في غنى عنها" قبل أن تحدث الطامه الكبرى ويبدأ بالإنشقاق والإنفصال عن العائله ومن ثم العائله الأكبر وصولا "إلى القبيله .... وهنا يبدأ الفرد العربي في الأهواز يدرك بأنه قد فقد مرجعية مهمه كان ينتمي اليها ويحتمي بها ويعرف بإسمها قبل أي شئ أخر.

وهناک تسائل مهم أود أن اطرحه علی الاخوه "نقاد القبليه" وهو، اذا ما فقد الفرد العربي في الاهواز هذا الإنتماء الوحید الذي ینتمي الیه والذي یشعر فیه بروحه وکیانه فإلى من سيلجأ في حال أراد الخروج أو التغيير عقائديا "أو فكريا" طالما نحن نعيش وسط مجتمع يعتبر من العالم الثالث بنظر الأخرين ولا يقبل ولا يرحب كثيرا "بالحركة التجديدية أو الإصلاحية؟

مع العلم أن الإنتماء الديني أو العقائدي أيا "كان لا يوازي إطلاقا" الإنتماء إلى القبيله ولا يتعارض معه. ایظا "غیاب الاحزاب والنقابات الاجتماعیه وفقداننا للمؤسسات المدنيه التي يدعو لها بعض الأخوه من النقاد ولا أدري ماذا يقصدون بها في الوقت الحالي؟ والتي تعنی بحقوق الفرد حیث یکون بمقدوره الانتماء لها وملء الفراغ الکبیر الذی یخلفه ترك الفرد للقبیله.

هذا الفراغ الخطير الذي نشاهده بأم عيننا عند بعض الشباب في كل يوموما يعانون منه من الضياع وعدم الإستقرار النفسي نتيجة فقدانهم للوعي اللازم بالأمور وضعفهم في مواجهة التغييرات الكبيرة والسريعة من حولهم، السبب الذي أدى بنا إلى التأثر وبشكل خطير بالثقافات الأخرى و منتوجاتها من "شرقنا وغربنا "حيث صرنا لا نميز الطيب من الخبيث و الخبيث من الطيب في تفاصيل حياتنا اليوميه.

إذا "لا وجود لذلك الملجأ والحاضنة الحقيقية التي بإمكانها أن تكون بديلا" حقيقيا "للقبيله يلم شملنا ويحفظ لنا هويتنا.

شخصيا "لا أدعو لأن تكون القبيله المرجع الأساس لمطالب ومقتضيات المواطن العربي في الاهواز كما إنني أعارض وبشده أن يكون للقبيلة وشيخها قيودا" تحد من حرية وإبداع الفرد؛ ولكن للقبيلة مكانتها وتأثيرها الكبير على تأريخ وحاضر العرب في الاهوازيجب أن تحترم. لأنه وبكل بساطه من المستحيل أن نفصل بين هذا النسيج الرئيسي في المجتمع وبين الفرد العربي في الاهواز.

كلنا طبعا "نتمنى ونطمح لغد أفضل لهذه الأرض وأهلها، مستقبل نكون فيه في طليعة الأمم علما" ومعرفة وقدرة. فلو ألقينا نظرة على إخواننا في الدول العربية المطلة على الخليج الفارسي لرأيناهم حكومات وشعوب ينتمون وبكل فخر وإعتزاز لقبائلهم ويعيشون بكل رحب بإنظمتهم العشائرية ويتكيفون مع أدابها ورسومها مع مرورالأيام؛ وهاهم أصبحوا منارة وقبلة للعالمين.

إذ تلعب القبيله وتقاليدها دور كبير في الحياة اليومية للناس هناك ولم نسمع أن هذه التقاليد صارت عائقا "أمامهم وحالت دون مواكبتهم للمدنية والحداثة. فهم في تطور وتقدم بإستمرارعلى جميع الأصعده في العمران والبحث العلمي والإعلام وغيرها من العلوم والفنون البشرية الحديثه.

فهناك علاقة وطيدة وتواصل دائم و قوي بين الأصاله "التراث" و المجتمع "الناس" و التطور. علاقة تزداد قوة و حيوية مع تزايد الناس حبا "وإعتزازا" بأصالتهم وتراثهم العريق. وفي كل الأحوال شتان ما بيننا وبينهم أخلاقا "وتعاملا" فعناوين الفساد والإدمان والجرائم خير شاهد على ما أقول ولا أريد أن أطيل عليكم الحديث بالأرقام والدراسات الرسمية والغير رسمية التي تشير لذلك الأمر بكل وضوح.

لنسير إلى الأمام، نحو أفاق تعيد لنا مجدنا الضائع وتصنع لنا الحياة الكريمة مع الإحتفاظ بإصالتنا وتراثنا المزدهروالعريق.

المصدر: موقع بروال الاهواز


Real time web analytics, Heat map tracking

بحث