فتيات عربيات أهوازيات يشاركن في اجتجات سلمية ضد سياسات الحكومة الرامية الى تحريف مجرى نهر كارون

على الرغم من إستمرار أشكال العنف والاضطهاد الجنسي و الاجتماعي و الاقتصادي وإنتهاك الحقوق الأساسية

للمرأة العربية الأهوازية في مجتمعنا الذي يتسم بالطابع الذكوري كسائر المجتمعات الشرق أوسطية، إلا أنّ نظرة على المؤشرات و الاحصائيات في السنوات الاخيرة تدل على التطور النسبي على الصعيد الاجتماعي و الثقافي بشكل ايجابي لصالح مشاركة المرأة العربية الأهوازية في الحياة الاجتماعية .ويمكن رصد هذا التطور بمظاهر ومجالات كثيرة ، بدءا من تزايد عدد الطالبات بنسبة تفوق عدد الطلاب في الجامعات في الاقليم الى تزايد عدد المرشحات و أعضاء المجالس البلدية و حتى نسبة الموظفات في الدوائر الحكومية وغير الحكومية، إضافة الى تزايد حضور المرأة في مجال العمل الثقافي و الاجتماعي في السنوات الاخيرة.

صالح الحميد - 25 فبراير 2014

مشاركة المرأة العربية الأهوازية في الحياة الاجتماعية .ويمكن رصد هذا التطور بمظاهر ومجالات كثيرة ، بدءا من تزايد عدد الطالبات بنسبة تفوق عدد الطلاب في الجامعات في الاقليم الى تزايد عدد المرشحات و أعضاء المجالس البلدية و حتى نسبة الموظفات في الدوائر الحكومية وغير الحكومية، إضافة الى تزايد حضور المرأة في مجال العمل الثقافي و الاجتماعي في السنوات الاخيرة.

وتشير الاحصائيات إلى أن الجيل الحالي من الفتيات هن الأكثر تعليما و مشاركة في الحياة الاجتماعية من الأجيال التي سبقتهن و إن التطور الاقتصادي و الاجتماعي الذي حدث في العقود الاخيرةو ترافق مع إمكانية الارتباط مع العالم الخارجي عن طريق الفضاء المجازي من الاعلام و الفضائيات قد ساهم في تطور الوعي النسوي و أصبح الجو ملائما لطرح الافكار و الرؤى التي تتعلق بقضية المرأة، كما أصبحت الفرص و الفضائات المتاحة مهيأة أكثر فأكثر من أجل المزيد من المشاركة لهذا الجيل من الفتيات في تقرير مصيرهن و البت بمستقبل قضايا المرأة و معاناتها و سبل القضاء على اشكال التمييز ضدها.

و في هذا السياق هناك من يطالب بان تشمل مشاركة المرأة جميع جوانب قضايا المجتمع من قضايا سياسية الى ثقافية و اجتماعية و اقتصادية و غيرها، كما أن هناك من يطالب المرأة العربية الاهوازية بشكل خاص بالمشاركة الفاعلة في العمل السياسي من أجل احقاق حقوق الشعب و رفع الظلم و الاضطهاد عنه.و برأيى إن هذه الدعوة جديرة بالاهتمام و الدراسة، فلطالما كان موروثنا السياسي يعتمد على العنصر الذكوري في العمل السياسي و لم نشاهد حضورا نسويا في الحركات السياسية الاهوازية الا ما ندر، وأرى بان الحراك السياسي الأهوازي لن يكتمل إلّا بالمشاركة الفاعلة للمرأة و لقد أثبتت تجارب الثورات العربية و تجارب الشعوب و حركات التحرر الوطنية التي تناضل من اجل حقوقها و تقرير مصيرها بأنه من دون مشاركة المرأة لا يمكن الحديث عن العدالة و الحرية و المساواة في الحقوق.

لكن في الوقت الذي تتم فيه الدعوة الى إشراك المرأة في العمل السياسي ، لا يتم الحديث عن حقوق المرأة بوصفها كفرد أو ككيان مستقل و لا يتم التطرق الى قضية حرمانها التاريخي من الحقوق الأساسية بدءا من التعليم و العمل و اختيار شريك الحياة وصولا الى كيفية تكريس فكرة المساواة و في المجتمع و محاربة مظاهر العنف ضد لمرأة و انتهاك حقوقها ، بل نرى بأنه في أغلب الاحيان يتم القاء اللوم على النظام السياسي المستبد في قضية إنتهاك حقوق المرأة.

و صحيحٌ أنّ نظام الجمهورية الاسلامية و أي نظام سياسي يحكم باسم الدين كان و لايزال العدو الأكبر للمرأة و حقوقها بسبب الخطاب الأيديولوجي و تكريس الاضطهاد و العنف و النظرة الدونية للمرأة باسم المقدس الديني، إلّا أنّ هذا ليس سببا كافيا لتبرير استمرار العنف ضد المرأة و انتهاك حقوقها، فهذا النظام الديني المستبد صحيح أنه يضطهد الجميع دون إستثناء و بطبيعة تكوينه يعادي المساواة بين الجنسين و لكن بالمقابل يتغذى هذا النظام من العادات و التقاليد و السنن لاجتماعية التي بدورها تحمل النظرة الدونية و اللامساواة و التمييز ضد المرأة و هنا تكمن المشكلة الاساسية حيث ان النظام يدعي بانه يحمي هذه العادات التقاليد و الاستقرار الاجتماعي.

إن واقع المرأة العربية الاهوازية أشد وطأة و تعقيدا من أن نلقي كل اللوم فيه على طبيعة النظام السياسي القائم حيث أن المرأة أساسا لم تتح لها الفرصة المشاركة في تفاصيل الحياة السياسية و الاجتماعية و الثقافية و الاقتصادية و غيرها من قبل المجتمع بالدرجة الاولي و ذلك بسبب طبيعة مجتمعنا التقليدي الذكوري بالدرجة الاولى. فالمجتمع هو الذي يضع العراقيل و التابوهات و المحرمات الكثيرة التي تمنع المرأة من الدخول في ميدان المشاركة السياسية او الثقافية او الاجتماعية و حتى النشاط الاقتصادي في غالب الاحيان ، لا بل تتم محاسبتها في كثير من الاحيان حسابا عسيرا إن تجاوزت التابوهات و الخطوط الحمراء الموضوعة امامها.

من هنا نجد أن الأولوية في نضال المرأة العربية الأهوازية تكمن في النضال من اجل كسب حقوقها الاساسية المشروعة في المساواة و الحرية و حق الاختيار. فلا مجال في أن نطالب هذه المرأة المضطهدة بالمشاركة السياسية في الوقت الذي تعاني فيه من شتى صنوف الاضطهاد الاجتماعي و الأسري و أغلبها أسيرة البيوت وتعاني من أزمات اكبر مما نتوقعها .. فهي مراقبة من قبل المجتمع و الأسرة و القبيلة و العشيرة في كل تحركاتها و تصرفاتها ، مراقبة تشبه مراقبة المجرم المطلق سراحة و هي كأنها مجرمة دائمة حتى تثبت برائتها .. ناهيك عن العنف الرمزي اليومي الممارس ضدها .

إذن العنف الممارس ضد المرأة في مجتمعنا ليس من قبل النظام السياسي فقط .. فهذا النظام بطبيعة قوانية و تشريعاته اللاانسانية و العقلية الثيوقراطية بطبيعته معادي للمرأة، لا يعترف بمبدأ المساواة، و أجهزته الرقابية و القمعية تمارس كل انواع الأذى و الاضطهاد و التمييز ضد المرأة .. ولكن النقطة الأهم التي أريد التركيز عليها هي أنّ العنف الممارس ضد المرأة من قبل المجتمع " القبلي التقليدي الذكوري" اكثر بكثير من عنف السلطة و يتجلى في عدة أشكال و ممارسات بدءا من تفضيل المواليد الذكور على الاناث مرورا بحرمان المراة من التعليم و العمل من قبل الأسر و ليس إنتهاءا الى النظرة الكلية للمراة و عدم الاعتراف بكيانها الانساني و حقوقها كانسان لديه عقل و موهبة و حرية و كرامة .

هذا يقودنا الى أولوية البحث عن الحلول من أجل وقف هذا العنف الاجتماعي ضد المرأة و لا يكفي أن نلقي اللوم على الانظمة المستبدة فقط، و اول الحلول هو اعطاء الاولوية في النشاط النسوي لقضية العنف ضد المرأة و التعريف بحقوقها الاساية بدل الخوض في المجالات الأخرى.إن تجارب المجتمعات الأخرى تقول لنا بأنه حتى في حال تغيير الانظمة السياسية يبقى اضطهاد المراة مستمرا و ربما بوطأة أشد... و بالتالي نصل الى الاستنتاج التالي و هو ان كفاح المراة من اجل نيل حقوقها لا يتصل بشكل مباشر بالنظام السياسي انما هناك قضية اضطهاد تاريخي و على الحركة النسوية الاهوازية أن تعمل على مستويات مختلفة اهمها الجانب الثقافي و الاجتماعي و توعية المرأة بالنسبة لمعرفة حقوقها و نقد مظاهر العنف المنتشرة كجرائم الشرف و القتل على الشك و الشبهات و العنف الجسدي المتمثل بالضرب و العنف و التحرش الجنسي و العنف اللفظي المتمثل بالتحقير و الاهانة و العنف الرمزي من خلال ثقافة الريبة و الشك و المراقبة ،كذلك ثقافة الوصاية على المرأة الراشدة في التعليم و العمل و النشاط الاجتماعي او السياسي او الثقافي او كافة صروح المشاركة العملية في الحياة الانسانية ... فبدون إحقاق هذه الحقوق من غير المنطقي أن نطالب المراة ان تكافح و تناضل ضد نظام سياسي معين و هي مكبلة باصفاد المجتمع الذكوري القبلي المحافظ .

ختاما أرى بأن الأولويات في نضال المرأة العربية الاهوازية تتمثل في ميدان المطالبة بحقوقها الأساسية في الحرية و المساواة قبل كل شي والعمل على سبل ايقاف العنف و محاربة النظرة الدونية و الثقافة الذكورية المتجذرة في المجتمع و العمل على توعية المراة لهذه الحقوق المشروعة و ليس فقط تثقيف المراة، بل تثقيف الرجل أيضا ، تثقيف الرجل بحقوق المراة و احترام حقوقها و كيانها الانساني و إشراكه في هذه القضية التي تهم كل المجتمع برمته، و هذا لا ينفصل عن مجمل نشاط المرأة العربية الأهوازية الناشطة التي تريد أن تشارك في الحياة السياسية أو ميدان النشاط الثقافي و مجمل حراك المجتمع المدني.


Real time web analytics, Heat map tracking

بحث